ما بال أشيب يستهويه الشيطان *** حب الشبيبة تبدي عذر صاحبها
قال عبد الله بن آدم : حاورت الشيطان الرجيم ، في الليل البهيم
فلما سمعت أذان الفجر أردت الذهاب إلى المسجد ، فقال لي
: عليك
ليل طويل فارقد .
قلت
: أخاف أن تفوتني الفريضة .
قال
: الأوقات طويلة عريضة .
قلت أخشى ذهاب صلاة الجماعة
.
قال
: لا تشدد على نفسَك في الطاعة .
فما قمت حتى طلعت الشمس
. فقال لي في همس : لا تأسف على ما فات ،
فاليوم كله أوقات . وجلست لآتي بالأذكار ، ففتح لي دفتر الأفكار
.
فقلت
: أشغلتني عن الدعاء . قال : دعه إلى المساء .
وعزمت على المتاب
. فقال : تمتع بالشباب .
قلت
: أخشى الموت . قال : عمرك لا يفوت .
وجئت لأحفظ المثاني ، قال
: رَوّح نفسك بالأغاني .
قلت
: هي حرام . قال : لبعض العلماء كلام .
قلت
: أحاديث التحريم عندي في صحيفة . قال : كلها ضعيفة .
ومرت حسناء فغضضت البصر ، قال
: ماذا في النظر ؟
قلت : فيه خطر . قال : تفكر في الجمال ، فالتفكر حلال .
وذهبت إلى البيت العتيق ، فوقف لي في الطريق ، فقال
: ما سبب هذه
السفرة ؟
قلت : لآخذ عمرة .
فقال
: ركبت الأخطار ، بسبب هذا الاعتمار ، وأبواب الخير كثيرة ،
والحسنات غزيرة .
قلت
: لابد من إصلاح الأحوال .
قال
: الجنة لا تدخل بالأعمال . فلما ذهبت لألقي نصيحة ، قال :
لا تجر إلى نفسك فضيحة
.
قلت
: هذا نفع للعباد . فقال : أخشى عليك من الشهرة وهي رأس
الفساد .
قلت
: فما رأيك في بعض الأشخاص ؟ قال : أجيبك عن العام والخاص .
قلت
: أحمد بن حنبل ؟ قال : قتلني بقوله : عليكم بالسنة ،
والقرآن المنـزل .
قلت
: فابن تيميـة ؟ قال : ضرباته على رأسي باليومية .
قلت
: فالبخـاري ؟ قال : أحرَق بكتابه داري .
قلت
: فالحجـاج ؟
قال : ليت في الناس ألف حجاج ، فلنا بسيرته ابتهاج ، ونهجه لنا
علاج .
قلت
: ففرعـون ؟ قال : له منا كل نصر وعون .
قلت
: فصلاح الدين ، بطل حطين ؟ قال : دعه فقد مرّغنا بالطين .
قلت
: محمد بن عبد الوهاب ؟
قال : أشعل في صدري بدعوته الالتهاب ، وأحرقني بكل شهاب .
قلت
: فأبو جهـل ؟ قال : نحن له إخوة وأهل .
قلت
: فأبو لهـب ؟ قال : نحن معه أينما ذهب .
قلت
: فلينين ؟ قال : ربطناه في النار مع استالين .
قلت
: فالمجلات الخليعـة ؟ قال : هي لنا شريعة .
قلت
: فالـدشـوش ؟ قال : نجعل الناس بها كالوحوش .
قلت
: فالمقاهــي ؟ قال : نرحب فيها بكل لاهي .
قلت
: ما هو ذكركم ؟ قال : الأغانـي .
قلت
: وعملكـم ؟ قال : الأمانـي .
قلت
: وما رأيكم في الأسـواق ؟ قال : علمنا بها خفّاق ، وفيها
يجتمع الرفاق .
قلت
: فحزب البعث الاشتراكي ؟
قال : قاسمته أملاكي ، وعلمته أورادي وأنساكي .
قلت
: كيف تضل الناس ؟
قال : بالشهوات والشبهات والملهيات والأمنيات والأغنيات .
قلت
: وكيف تضل الحكام ؟
قال : بالتعطش للدماء ، وإهانة العلماء ، ورد نصح الحكماء ،
وتصديق السفهاء .
قلت
: فكيف تضل النساء ؟
قال : بالتبرج والسفور ، وترك المأمور ، وارتكاب المحظور .
قلت
: فكيف تضل العلماء ؟
قال : بحب الظهور ، والعجب والغرور ، وحسد يملأ الصدور .
قلت
: فيكف تضل العامّـة ؟
قال : بالغيبة والنميمة ، والأحاديث السقيمة ، وما ليس له قيمة .
قلت
: فكيف تضل التجّـار ؟
قال : بالربا في المعاملات ، ومنع الصدقات ، والإسراف في النفقات
.
قلت
: فيكف تضل الشباب ؟
قال : بالغزل والهيام ، والعشق والغرام ، والاستخفاف بالأحكام ،
وفعل الحرام .
قلت
: فما رأيك في إسرائيل ؟
قال : إياك والغيبة ، فإنها مصيبة ، وإسرائيل دولة حبيبة ، ومن
القلب قريبة .
قلت
: فالجاحظ ؟ قال : الرجل بين بين ، أمره لا يستبين ، كما في
البيان والتبيين.
قلت
: فأبو نواس ؟ قال : على العين وعلى الرأس ، لنا من شعره
اقتباس .
قلت
: فأهل الحداثـة ؟ قال : أخذوا علمهم منا بالوراثة .
قلت
: فالعلمانيــة ؟
قال : إيماننا علماني ، وهم أهل الدجل والأماني ، ومن سمّاهم فقد
سماني .
قلت
: فما تقول في واشنطن ؟
قال : خطيـبي فيها يرطن ، وجيشي بها يقطن ، وهي لي موطن .
قلت
: فما تقول في صَـدَّام ؟
فهتف يقول : بالروح والدم نفديك يا صدام ، يسلم أبو عدي على
الدوام .
قلت
: فما رأيك في الدعاة ؟
قال : عذبوني وأتعبوني وبهدلوني وشيبوني يهدمون ما بنيتُ ،
ويقرؤون إذا غنيتُ ، ويستعيذون إذا أتيتُ .
قلت
: فما تقول في الصحف ؟
قال : نضيع بها أوقات الخلف ، ونذهب بها أعمار أهل الترف ، ونأخذ
بها الأموال مع الأسف .
قلت فما تقول في هيئـة الإذاعـة البريطانيـة ؟
قال
: ندخل بها السم في الدسم ، ونقاتل بها بين العرب والعجم ،
ونثني بها على المظلوم ومن ظلم .
قلت
: فماذا فعلتَ بالغـراب ؟
قال : سلطته على أخيه فقتله ودفنه في التراب ، حتى غاب .
قلت
: فما فعلتَ بقـارون ؟
قال : قلت له : احفظ الكنوز ، يا ابن العجوز ، لتفوز ، فأنت أحد
الرموز .
قلت
: فماذا قلتَ لفرعـون ؟
قال : قلت له : يا عظيم القصر ، قل : أليس لي ملك مصر ، فسوف
يأتيك النصر.
قلت
: فماذا قلتَ لشارب الخمر ؟
قال : قلت له : اشرب بنت الكروم ، فإنها تذهب الهموم ، وتزيل
الغموم ، وباب التوبة معلوم .
قلت
: فماذا يقتلك ؟
قال : آية الكرسي ، منها تضيق نفسي ، ويطول حبسي ، وفي كل بلاء
أمسي .
قلت
: فمن أحب الناس إليك ؟
قال : المغنّون ، والشعراء الغاوون ، وأهل المعاصي والمجون ، وكل
خبيث مفتون .
قلت
: فمن أبغض الناس إليك ؟
قال : أهل المساجد ، وكل راكع وساجد ، وزاهد عابد ، وكل مجاهد .
قلت
: أعوذ بالله منك ، فاختفى وغاب ، كأنما ساخ في التراب ،
وهذا جزاء الكذاب .
المصدر كتاب المقامات للشيخ عائض