قال الله العظيم في كتابه الكريم: ﴿ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا﴾.
من أجل بناء علاقات اجتماعية يكون أساسها الألفة والانسجام بين الناس، لا بد من بناء قاعدة أخلاقية صلبة تحفظ الاحترام المتبادل بين أبناء المجتمع، وتحمي حقوق الأفراد والجماعات من أي إساءة أو عدوان.
تقول الآية الكريمة: ﴿ولا تجسسوا ﴾نهي صريح واضح عن التجسس.
والتجسس هو البحث بوسيلة خفية، وهو مشتق من الجس، ومن يقوم بهذا العمل يطلق عليه جاسوس.
أي أن مهمة الجاسوس أن يبحث عن الأخبار الخاصة للآخرين.
إن كل إنسان له كيانه الخاص ومنه تكون له أراء خاصة، وتصرفات وممارسات خاصة، لا يحب أن يطلع عليها أحد، ولا يحق لأحد أن يهتك عليه حرمته سعياً وراء معرفة أسراره وما يريد إخفاءه، هذا ما تنهى عنه الآية الكريمة.
كتمان الأسرار لماذا؟
إنما يتقصد الإنسان إخفاء أشياء وجوانب من حياته لأحد الأسباب التالية:
ـ إما لأنها تمثل نقاط ضعف، ولا أحد يرغب في اطلاع الآخرين على عيوبه.
ـ قد تكون نقاط قوة، ولكن يخشى أن يطلع عليها أحد فيفسدها أو يضرها. قد يفكر الإنسان في مشروع اقتصادي، وإذا ما أذاعه أو أُذيع من قبل غيره أُخذت فكرته وسبقه للعمل بها غيره، وكذلك الحال في المجال السياسي، والاجتماعي، أو أي مجال آخر، وعندنا نصوص تشجع الإنسان على كتمان أموره الخاصة.
ـ قد يرى الإنسان في إخفاء أموره الخاصة راحة له، كعلاقاته مع زوجته، مع أولاده، تماماً كمظهره أمام الناس، فهو يظهر أمامهم بكامل زينته، ولكنه في بيته قد يتخفف من كثير من ملابسه. وهذا حق مشروع لكل إنسان.
التنقيب في الأسرار لماذا؟
ـ قد يسعى الإنسان بوسائل البحث الخفية لمعرفة أسرار وخواص شخص ما من باب التطفل والفضول، وهي عادة سيئة.
ـ التلصص على الآراء والأفكار وهو ما يطلق عليه التفتيش العقائدي أو الفكري، يسعى لمعرفة فلان من الناس في ماذا يفكر؟ وما رأيه في القضية الفلانية؟ من أجل تصنيفه من أي توجه هو ليتخذ منه موقفاً. يقول رسول الله : «إني لم أأمر أن أنقّب عن قلوب الناس»[1] .
التفتيش في نوايا الناس لا يجوز وهو يجر إلى عداوات كما يقول الإمام الصادق : «لا تفتش الناس عن أديانهم فتبقى بلا صديق»[2] .
ـ وقد يكون السبب وراء معرفة خاصيات الآخرين هو معرفة نقاط ضعفهم وعيوبهم، وهو من أشد أنواع التحسس حرمة.
من هدي الرسالة:
نصوص كثيرة وردت عن رسول الله وأهل بيته الطاهرين تنهى عن التجسس وتؤكد على حرمة الناس، وحرمة التعدي عليها، ورد عن رسول الله قوله: «لا تتبعوا عثرات المسلمين، فإنه من تتبع عثرات المسلمين تتبع الله عثرته، ومن تتبع الله عثرته يفضحه»[3] .
تتبعي لنقاط ضعف الآخرين، وتتبع الآخرين لنقاط ضعفي يؤدي إلى تفشي هذا الأمر السيئ، أو أن الله تعالى وعن طريق الغيب يسلط على الجاسوس من يفضح عوراته ونقاط ضعفه كما فعل بغيره، وفي ذلك رادع له ولغيره.
ورد عن الإمام الباقر : «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوماً ما»[4] في بعض الأحيان قد يكون عندك صديق، وبحكم هذه العلاقة يطلعك على بعض أسراره وخصائصه، ولكن البعض يسيء استخدام هذا الثقة ويفتح له سجلات لحفظ هذه الأسرار حتى إذا ما نشبت بينه وبين صديقه عداوة فتح سجله السري وأفشى ما فيه. وهذا من أقبح الممارسات، والإمام الباقر يعتبره على درجة قريبة من الكفر.
عن عبدالله بن سنان قال: قلت للإمام جعفر الصادق : «عورة المؤمن على المؤمن حرام؟
قال : نعم.
قلت: تعني سفليه؟ أي عورته الجسدية.
قال : ليس حيث تذهب إنما هي إذاعة سره.»
وفي رواية عن الإمام علي يقول: «تتبع العيوب من أقبح العيوب، وشر السيئات». وقال: «من بحث عن أسرار غيره أظهر الله أسراره».
ومن الأساليب السيئة في هذا المجال أن ترى شخصين يتحدثان ولا يريدان أن يسمع أحد حديثهما، فتوجه سمعك لتسمع ما يهمسون به. إنك كما تحب أن تحترم أسرارك فعليك باحترام أسرار غيرك، جاء عن رسول الله : «من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون يصب الله في أذنيه الآنك».