لمِصرَ أم لرُبُوعِ الشَّأمِ تَنْتَسِبُ | هُنا العُلا وهُناكَ المجدُ والحَسَبُ |
رُكْنانِ للشَّرْقِ لا زالَتْ رُبُوعُهُما | قَلْبُ الهِلالِ عليها خافِقٌ يَجِبُ |
خِدْرانِ للضّادِ لَم تُهْتَكْ سُتُورُهُما | ولا تَحَوَّلَ عن مَغْناهُما الأدَبُ |
أمُّ اللُّغاتِ غَداة َ الفَخْرِ أَمُّهُما | وإنْ سَأَلْتَ عن الآباءِ فالعَرَبُ |
أَيَرْغَبانِ عن الحُسْنَى وبَيْنَهُما | في رائِعاتِ المَعالي ذلك النَّسَبُ |
ولا يَمُتّانِ بالقُربى وبينَهُما | تلكَ القَرابة ُ لَمْ يُقْطَعْ لها سَبَبُ؟ |
إذا ألَمَّتْ بوادي النِّيلِ نازِلَة ٌ | باتَتْ لها راسِياتُ الشّأمِ تَضطَرِبُ |
وإنْ دَعَا في ثَرَي الأَهْرامِ ذُو أَلَمٍ | أَجابَهُ في ذُرَا لُبْنانَ مُنْتَحِبُ |
لو أَخْلَصَ الِّنيلُ والأرْدُنُّ وُدَّهما | تَصافَحَتْ منهما الأمْواهُ والعُشُبُ |
بالوادِيَيْنِ تَمَشَّى الفَخرُ مِشيَتَه | يَحُفُّ ناحيَتَيْه الجُودُ والدَّأَبُ |
فسالَ هذا سَخاءً دونَه دِيَمٌ | وسالَ هذا مَضاءً دونَه القُضُبُ |
نسيمَ لُبنانَ كم جادَتْكَ عاطِرَة ٌ | من الرِّياضِ وكم حَيّاكَ مُنْسَكِبُ |
في الشَّرقِ والغَربِ أنفاسٌ مُسَعَّرَة ٌ | تَهْفُو إليكَ وأكبادٌ بها لَهَبُ |
لولا طِلابُ العُلا لم يَبتَغُوا بَدَلاً | من طِيبِ رَيّاكَ لكنّ العُلا تَعَبُ |
كم غادَة ٍ برُبُوعِ الشّأمِ باكيَة ٍ | على أَليِفٍ لها يَرْمِي به الطَّلَبُ |
يَمْضِي ولا حِيلَة ٌ إلاّ عَزِيمَتُه | ويَنثَني وحُلاهُ المَجدُ والذَّهَبُ |
يَكُرُّ صَرفُ اللَّيالي عنه مُنقَلِباً | وعَزْمُه ليسَ يَدْرِي كيفَ يَنْقَلِبُ |
بِأَرْضِكُولُمْبَأَبْطالٌ غَطارِفَة ٌ | أسْدٌ جِياعٌ إذا ما وُوثِبُوا وَثَبُوا |
لَم يَحْمِهمْ عَلَمٌ فيها ولا عُدَدٌ | سوى مَضاءٍ تَحامَى وِرْدَهُ النُّوَب |
أسطُولُهُمْ أمَلٌ في البَحرِ مُرتَحِلٌ | وجَيْشُهُمْ عَمَلٌ في البَرِّ مُغْتَرِبُ |
لهم بكُلِّ خِضَمٍّ مَسرَبٌ نَهَجٌ | وفي ذُرَا كُلِّ طَوْدٍ مَسْلَكٌ عَجَبُ |
لَمْ ثَبْدُ بارِقَة ٌ في أفْقِ مُنْتَجَعٍ | إلاّ وكان لها بالشامِ مُرتَقِبُ |
ما عابَهُم انّهُم في الأرضِ قد نُثِرُوا | فالشُّهبُ مَنثُورَة ٌ مُذ كانت الشُّهُبُ |
ولَمْ يَضِرْهُمْ سُرَاءَ في مَناكِبِها | فكلّ حَيِّ له في الكَوْنِ مُضْطَرَبُ |
رَادُوا المَناهِلَ في الدُّنْيا ولو وَجَدُوا | إلى المَجَرَّة ِ رَكباً صاعِداً رَكِبُوا |
أو قيلَ في الشمسِ للرّاجِينَ مُنْتَجَعَ | مَدُّوا لها سَبَباً في الجَوِّ وانتَدَبُوا |
سَعَوا إلى الكَسْبِ مَحْمُوداً وما فَتِئَتْ | أمُّ اللُّغاتِ بذاكَ السَّعْي تَكْتَسِبُ |
فأينَ كان الشَّآمِيُّونَ كان لها | عَيْشٌ جَدِيدٌ وفَضْلٌ ليسَ يَحْتَجِبُ |
هذي يَدي عن بني مِصرٍ تُصافِحُكُم | فصافِحُوها تُصافِحْ نَفسَها العَرَبُ |
فما الكِنانَة ُ إلاّ الشامُ عاجَ على | رُبُوعِها مِنْ بَنِيها سادَة ٌ نُجُبُ |
لولا رِجالٌ تَغالَوا في سِياسَتِهِم | مِنّا ومِنْهُمْ لَمَا لمُنْا ولا عَتَبُوا |
إِنْ يَكْتُبوا لِيَ ذَنْباً في مَوَدَّتِهمْ | فإنّما الفَخْرُ في الذَّنْبِ الذي كَتَبُوا |